الجريمة والدور المطلوب

الجريمة والدور المطلوب
 

الجريمة والدور المطلوب

 إلى أهلي في بلدي

د. سمير صبحي – رئيس بلدية ام الفحم
*الجريمة والدور المطلوب*
 
ما منْ شكٍ أنّ ما تمرُ به بلدنا ام الفحم من جريمةٍ، والمجتمع العربي ككّل، هو شيءٌ كبير ليس بالهيّن، يؤلمنا ويحزننا كثيرًا، وأنّ مقتلَ ثمانيةِ شبانٍ في بلدنا منذ مطلع العام الجاري هو طامةٌ كبرى ومصيبةٌ عظيمة، نتجَ عنها أمهات ثكالى ونساء أرامل وأطفال يتامى، وأنّ إراقةَ الدمِ كبيرةٌ من الكبائر التي حرمّها الله عز وجل، وهدمُ الكعبةِ أهونُ عندَ الله من القتل، وما من شك أننا تحدثنا كثيرًا وأصدرنا البيانات العديدة بعد كل جريمةِ قتلٍ نستنكرُ ونشجبُ وندين، وتنظيم تظاهرات وإضرابات ووقفات احتجاجية أمام مركز الشرطة والشارع الرئيسي، ومحاضرات لطلاب المدارس ودروس وعظٍ وخطب جمعة، ثم نصحو وبكل أسف على جريمةٍ جديدةٍ، راحَ ضحيتها شباب يخرجون من المساجد بعد الصلاة، عمّال يتوجهون لعملهم في ساعات الصباح الباكر، شباب يشاركون في حفل زواج، قتلٌ دون رادعٍ من دين أو ضمير او أخلاق أو قانون.
 
نعم صحيح إننا نحمل الشرطة المسؤولية ونوجّه أصابعَ الاتهامِ لما يحصلُ عندنا لجهازِ الشرطةِ التي لا تقوم بعملها والدور المطلوب منها، وللعملاء والمخابرات الذين يعيثون فسادًا بيننا، وللقوى الخفيّة التي تتآمر علينا، والحكومة التي تميّز ضدنا. لكننا نسينا أو تناسينا الدورَ المطلوب منا نحن في بيتنا الداخلي، نسينا أو تناسينا أننا نحن من يملكُ الحلّ لمشاكلنا ووقف العنف والجريمة والقتل بأيدينا نحن وفقط نحن، ولم نأخذْ بالخطوات الاحترازية والآليات الاحتياطية والاستباقية لمنع الجريمة القادمة، بل ننتظرُ حصولَ جريمةٍ جديدةٍ ثم نوجّه سهام النقد للبلدية ولجان الصلح.
 
أين دورُنا كمربين وأهالٍ من تربية أولادنا وأبنائنا؟! أين دورنا كمدارس وهيئات تدريسية وجهاز تربية وتعليم؟! أين دورنا كأئمة ودعاة وخطباء مساجد؟! أين دورنا كلجان إصلاح؟! أين دورنا كلجان أولياء أمور طلاب؟! أين دورنا كمؤسسات جماهيرية وجمعيات فاعلة في المجتمع الفحماوي؟! أين دورنا كأحزاب وحركات وقوى سياسية وشعبية واجتماعية؟! أين دورنا كمثقفين ومتعلمين وأكاديميين وأصحاب مناصب ووظائف ومهن؟!
 
وأنا أتحدثُ هنا وأتساءل، ليسَ انتقاصًا من حق هؤلاء أو دورهم أو أدائهم أو وظيفتهم، لكني أبحث عن الدورِ الحقيقي والمؤثرِ والفاعلِ لكلِ من ذكر أعلاه، في لجم ووقف آفة العنف التي حرقتنا جميعًا، وشغلتنا جميعًا، واستنفدت وقتنا وجهدنا وطاقاتنا، بدلَ أن توجّهَ في البناء والتطوير والتعمير.
 
نحن من نريد أن نستولي على الحيّز العام ولا نريد أن يحاسبنا أحد، نحن من نريد أن نبني بيوتًا فارهة وواسعة دون موقف للسيارة ثم نوقف السيارات في الشارع العام تضايق الجميع ولا نريد أن يحاسبنا أحد. نحن من ندخل بسياراتنا باتجاه ممنوع ونزبد ونعربد إذا فتح فمه أحد؟ نحن من يسهر شبابنا في المقاهي ومحلات الأراجيل لساعة متأخرة من الليل، ثم نتساءل بعد ذلك لماذا حصلت الجريمة؟! نحن من يأخذ القروض الربوية بالطرق الممنوعة والمحرمة، ثم نسأل لماذا يحصل العنف؟ نحن من نلقي بالنفايات في أطراف البلد وحواشي الطرق، ولا نريد ان تخالفنا الشرطة! نحن من بتنا نشكو أولادنا في الشرطة ولا نسيطر عليهم، نحن من تتخذ مؤسساتنا التمثيلية من بلدية ولجنة شعبية ولجنة أولياء أمور طلاب محلية قرارات وتصدر بها بيانات واضحة، ثم نرمي بها عرض الحائط ولا نلتزم بهذه القرارات، ويخرج علينا من يتهمنا بعدم إدارة المعركة كما يجب، وعدم تحمل المسؤولية.
 
ختامًا، فإننا سنكملُ مشوارَنا ومسيرَتنا في مساعينا وبرامجنا ومخططاتنا لإعادة الأمن والأمان لأهلنا في ام الفحم، ولضبط القانون والنظام والحفاظ على ارواح شبابنا، وكل ذلك منوط بتعاونكم أنتم يا أهلنا، والأمر بأيدينا نحن، نحن من نقرر أن نعيش بأمن وأمان، مع خالص الدعاء إلى الله عز وجل أن يحفظ بلدنا وأهلنا ومجتمعنا.
 
*التزامي تجاه بلدي ومسؤوليتي تجاه أهلي كان أقوى من بقائي في أمريكا*
 
ثلاث جرائم قتل حصلت في بلدنا خلال الأسبوع الأخير، وبكل أسف كنت خلال خلالها مسافرًا للولايات المتحدة الأمريكية ضمن بعثة لرؤساء سلطات محلية ومديرين عامين، هدفت للتعلم والدراسة والاستكمال في القيادة والإدارة، وكان من المفروض أن أكمل المشوار هناك حتى نهاية الشهر الجاري، لكن ما حصل في بلدنا من أحداث أخيرة كان أقوى من بقائي هناك، مع ثقتي الكاملة بإخواني في إدارة البلدية الذين نابوا عني وقاموا بالدور المطلوب.
 
لكن خلال الفترة القصيرة التي قضيتها هناك كان لي شرف اللقاء بعدد من الجمعيات والمؤسسات الداعمة لعرض عدد من المشاريع الحيوية لبلدنا. كما التقيت خلال ذلك أيضا بسفير البلاد في الأمم المتحدة غلعاد اردان، وبالقنصل اساف زمير، تحدثنا خلال هذه اللقاءات حول النهوض بأم الفحم وتطويرها وإمكانية تبني مشاريع تطويرية، وستكون هناك متابعات لهذه اللقاءات. كان من المفروض أن اكمل مشواري إلى بوسطن بعد أن أنهينا برنامجنا في نيويورك.
 
اعجبني من ضمن ما أعجبني تعددية الشعب الأمريكي واحترام الكل للكل، واحترام الثقافات المختلفة، واحترام الآراء المتباينة.
 
ختامًا، كان لي شرف التعرف على أحد الشباب الطيبين جدًا والذي يقيم هناك في نيويورك، وهو الأخ العزيز صالح دليكي وأصله من وادي سلامة، والذي استقبلني وعائلته على أحسن ما يرام، وقام بواجب الضيافة على أحسن ما يكون، فله كل الشكر والتقدير والثناء.