جولة تعليمية في مدينة بالتيمور الامريكية لدراسة نماذج حول التعامل مع شريحة شبيبة

جولة تعليمية في مدينة بالتيمور الامريكية لدراسة نماذج حول التعامل مع شريحة شبيبة
 

جولة تعليمية في مدينة بالتيمور الامريكية لدراسة نماذج حول التعامل مع شريحة شبيبة

 *د.سمير صبحي: بمشاركة أربعة رؤساء سلطات محلية وبتنظيم من "بلومبرغ سجول" للقيادة: جولة تعليمية في مدينة بالتيمور الامريكية لدراسة نماذج حول التعامل مع شريحة شبيبة بضائقة*

 
*إلى أهلي في بلدي*
 
*د. سمير صبحي – رئيس بلدية ام الفحم – مدينة بالتيمور – الولايات المتحدة الامريكية*
 
هذا الأسبوع شاركت انا وزملائي رئيس بلدية كفر قرع المحامي فراس بدحي، رئيس بلدية باقة الغربية الأستاذ رائد دقة، ورئيس مجلس محلي كسيفة المحامي عبدالعزيز النصاصرة، شاركنا في جولة تعليمية وورشات عمل في مدينة بالتيمور في الولايات المتحدة الامريكية، نظمتها مؤسسة "بلومبرغ سجول" للقيادة. خلال هذه الأيام التعليمية حظينا بمحاضرات اكاديمية مثرية، زيارة لجامعة جون هوفكنز، لقاء مع رئيس بلدية بالتيمور، لقاء مع رئيس الجامعة، وخلال هذه اللقاءات والمحاضرات تم تسليط الضوء على برامج علاجية خاصة بفئة وشريحة شبيبة بضائقة وفتيان بخطر وشبيبة غير متعلمة وعاملة، بالإضافة لجولات ميدانية تخص هذا الموضوع، حيث أن اختيار مدينة بالتيمور لم يكن عبثًا، بل لكون هذه المدينة عايشت خلال السنوات العشرين الماضية واقعًا أليمًا، خصوصًا ظاهرة الشبيبة بضائقة، التمييز، الفقر، إدمان الكحول والمخدرات، إجرام منظم، عصابات، سلاح، وغيرها من المعوقات والمشاكل التي عايشها أربعة رؤساء سلطات محلية في هذه المدينة، حيث برز ذلك في تقليص نسبة الجريمة في المدينة خلال السنوات الأخيرة. مع الإشارة طبعًا إلى فارق المكان بين الولايات المتحدة الامريكية وفي البلاد عندنا.
 
أودّ هنا أن أشيرَ إلى عدة نقاط أرى أهميتها لمسناها كثيرًا خلال زيارتنا، وتم التركيز عليها خلال الورشات والمحاضرات التي شاركنا بها حول البرامج العلاجية لشبيبة في ضائقة:
 
1.    من الأهمية بمكان أن نعترفَ بمسؤولية السلطة المحلية ودورها الحيوي والفاعل فيما يخص علاج ومجابهة المشاكل الاجتماعية في مجتمعنا، وكذلك دور رئيس السلطة المحلية في هذه التحديّات هو هام وجدّي وحيوي في وضع الرؤيا والاستراتيجية لعلاج ظاهرة شبيبة بضائقة. علينا إنتاج الفرص لاستغلالها واستثمارها بالشكل الصحيح لكي نخلق أفقًا وأملًا لدى هذه الشريحة.
 
2.    ليس عيبًا أن نتعلم ونتطلع إلى نماذج وموديلات علاجية - تربوية في أماكن أخرى في العالم، تعاملت مع قضية الشبيبة بضائقة وشبيبة غير متعلمة او عاملة، ونجحت. مدينة بالتيمور كانت واحدة من هذه النماذج التي تعاملت مع هذه التحديات وقلصت نسبة العنف.
 
3.    كان لنا لقاء هام مع رئيس بلدية بالتيمور الذي نشأ وترعرع في بيئة عانت من الفقر والعنف. أكد خلال حديثه معنا على بناء موديل عمل من الشبيبة أنفسهم، نموذج اجتماعي يأخذ فيه الشبيبة المسؤولية على عاتقهم ويصبحون شركاء فاعلين في هذا النموذج. كان مهمًا جدا لرئيس البلدية أن يأخذ كل واحد دورَه، وأن يكون شريكًا فاعلًا في إنجاح النموذج الذي بنوه معًا. مع التأكيد على أنه كانت هناك من قبل برامج كثيرة ونوايا حسنة للعمل، لكنها لم تنجح. هناك مبادرات تعرفنا عليها لعلاج ظاهرة العنف لدى الشبيبة، مثل مجابهة ظاهرة تشغيل شبيبة في الشوارع بواسطة العصابات في غسيل السيارات. رئيس البلدية يجب أن يؤمن بدور كافة الأطراف، وأنّ الحلَ يأتي من المجتمع والجمهور والشراكة معهم. من المهم جدًا الاستماع لشبيبة بضائقة، والعلاقة الإيجابية معهم وتجاههم وتشكيل القيادة من بينهم، فهؤلاء هم المشكلة وهم في ذات الوقت هم جزء من الحلّ أيضًا.
 
4.    أهمية وضع خطة علاجية شاملة لشبيبة في ضائقة، على أن يشارك في وضع الخطة كافة الأطراف ذات الصلة، وعلى رأسهم الشبيبة أنفسهم أن يأخذوا دورهم في وضع هذا المخطط، الأهالي، المدرسة، صناديق المرضى وغيرهم. وفق هذا النموذج تم بناء قواسم مشتركة وعوامل نجاح، كانت أساسًا للخطة العلاجية الشمولية. مع الإشارة إلى ضرورة وأهمية تغيير الخطة في بعض الأحيان وإجراء التعديلات وفق التطورات وبنائها من جديد.
 
5.    هناك أهمية كبيرة لإنشاء بنك معلومات وقاعدة بيانات، معطيات وأرقام ونسب شاملة حول شريحة شبيبة بضائقة. هذا الأمر يسهّل التعامل مع هذا الملف ووضع الحلول والعلاج والبرامج والتقييم الدوري لخطة العمل وبرنامج العلاج. فاتخاذ القرارات يجب أن يجون مبنيًا على قاعدة علمية صلبة، وبناء خطط علاج فردية وجماعية تتناسب مع فئة الهدف.
 
نحن في بلدية ام الفحم بدأنا العمل بالشراكة مع "بلومبرغ سجول" وفق هذا النموذج، وجمع معطيات ومعلومات، وبشراكة أٌقسام البلدية ذات الصلة، وقد تم إقامة طاقم عمل ولجنة توجيه مهنية بهذا الخصوص، بعد أن كنت قد اجتمعت والتقيت بكافة موظفي ومديري الأقسام التي تتعامل مع هذه الشريحة في مدينتنا، لأننا نؤمن أن عملًا مدروسًا ومهنيًا وعلميًا سيسهم بلا شك بتقليص آفة العنف في بلدنا ومجتمعنا.
 
6.    موضوع تعامل الشرطة مع الأقلية، وطريقة وأسلوب وآلية تعامل أفراد الشرطة، تشابه الحالات عندنا وعندهم في امريكا، والتعامل المهين والعنيف لنا كأقلية، كما هو الحال عندهم، مع الإشارة أن رئيس البلدية عندهم هو المسؤول المباشر عن الشرطة وهو الذي يضع سياسة التعامل مع المواطنين. هناك نموذج تم عرضه باستخدام سجناء أنْهوا محكوميتهم وخرجوا من دائرة الإجرام، يمكن استخدامهم في إدارة الحوار مع الآخرين لمنعهم من التدهور والدخول بدائرة الاجرام. فرسالة السجين المحرّر تكون أقوى ومؤثرة أكثر ولها وزن أكبر ومفعولها أدوم. بل إن الاستثمار في الأشخاص أهم بكثير من الاستثمار في الشرطة. وهذا الشيء أثبت نفسه.
 
7.    "روكا – Roka" هو أحد نماذج العمل التي تعرفنا عليها، للتعامل مع شبيبة بضائقة، من خلاله يتم وضع برنامج عمل مدته ثلاث سنوات للشاب الجانح، بدلًا من عقابه ودخوله السجن، تتم مراقبته ومتابعة سلوكه على مدار السنوات الثلاث، يتم دفع أجور لهم مقابل العمل وتعليمهم، في غالب الأحيان يتم الاستعانة بأناس متخصصين مهنيين ومن الجمهور، والشرطة.
 
8.    أخيرًا كان لنا أيضا لقاء مع رئيس جامعة جون هوفكنز، الذي اهتم كثيرًا بلقائنا والتعرف على التحديّات التي نواجهها في مجتمعنا العربي، وطلب لقاءنا كقيادات من المجتمع العربي.
 
ختامًا؛ أتقدم بالشكر الجزيل والتقدير الكبير لكل من ساهم في إنجاح هذه الجولة التعليمية والمرافقة الرائعة والمهنية العليا التي تحلوا بها، نخصّ بالذكر كلًا من: جيم اندرسون، جيري، جيمي، شير، مندوبي شركة السياحة والمترجمة، ثم الثناء الكبير لمبادرة "بلومبرغ سجول" على هذه التجربة الرائعة والمميزة التي عشناها خلال هذه الأيام، وأخيرًا لزملائي رؤساء السلطات المحلية في كفر قرع وباقة وكسيفة، الذين سعدتُ برفقتهم.