الكورونا والحصانة النفسية !

 

الكورونا والحصانة النفسية !

الكورونا والحصانة النفسية !

مما لا شك فيه ان وباء الكورونا هو دخيل علينا من غير سابق انذار، وله ابعاد وعواقب نحن جميعا في غنى عنها , وقد اثر في عقولنا وفي نفوسنا وفي سلوكياتنا اليومية . حيث نجح هذا الوباء في تشتيت برامجنا اليومية التي اعتدنا عليها , وقد نجح في إيقاف سيرورتنا الحياتية الطبيعية , ناهيك عن تأثيراته على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي بشكل عام , وعلى الصعيد الاسري والفردي بشكل خاص, وقد شكل هذا الوباء صدمة نفسية على العديد من الافراد , ولكن تختلف شدتها ومدتها حسب مناعة الفرد النفسية حيث قد لا يشعر البعض ببعض المراحل, وهذه الصدمة تأخذ خمس مراحل وفقا لنموذج  kubler ross  وهي عالمة نفس سويدية والتي أصدرت كتابا سنه 1969 تحت عنوان " عن الموت والوفاة " ومن خلاله فقد استعرضت روس الوعي العام الى اهميه التعامل بحساسية مع المصابين بالأمراض القاتلة , وجاء هذا النموذج ليفصل المراحل الخمسة والطريقة التي يتعامل فيها الانسان مع الحزن الناتج عن المصائب والأوبئة . وأود في هذا المقال ان استعرض هذه المراحل عل وعسى ان نعي ونفهم كيف نصيغ حياتنا بشكل سليم في مواجهة هذا الوباء الفتاك.

1- مرحلة الانكار: هذه المرحلة تعتبر أولية وهي تعبر عن النفس   المدركة  والواعية لما يحدث ولكنها تأبى تصديق حيثيات واحداث  وانكسار الروتين اليومي المعتاد , حينها يلجأ الانسان الى حيل دفاعيه او اتخاذ استراتيجيات شأنها وهدفها التخفيف من حدة المصيبة , ومن هنا نرى ان كثيرا من أبناء مجتمعنا يرفضون تصديق حقيقة ان الكورونا مرض خطير , وعليه فانهم يستمرون بحياتهم العادية كان شيئا لم يكن , مؤمنين انهم بخير وان الفيروس لن يصيبهم وقد استعرضت ross  هذه المرحلة بعباره :" أنا بخير"، "لا يمكن أن يحدث هذا، ليس لي." وتضيف أيضا ان  الإنكار عادة ما يكون مجرد دفاع مؤقت للفرد. ومن هنا نستطيع ان نفهم كيف ان كثيرا من أبناء بلدتنا غير ملتزمين بالحجر البيتي وخروجهم للتسوق او لزياره الأقارب وما الى ذلك.

     2 - مرحلة الغضب: "لِمَ أنا؟ هذا ليس عدلًا"، "كيف يحدث هذا لي؟"، "من المَلُومُ على ذلك؟": ما أن يدخل الفرد المرحلة الثانية حتى يدرك أن الإنكار لا يمكن أن يستمر، بسبب الغضب الذي ينتاب الفرد يصبح من الصعب جداً رعايته لما يكنه من مشاعر ثورة وحسد   وهي تحدث بعد عدم القدرة في الاستمرار بالأنكار , وقد تتحلى ببعض السلوكيات الدالة على الغضب, على سبيل المثال هناك أناس يحملون السلطات المسؤولية لكل ما يحدث فيأبون الالتزام  بالقرارات الصادرة من هذه السلطات تعبيرا عن غضبهم , فتجدهم  يذهبون الى شراء المواد التموينية بشكل مفرط ودون وعي  ,  وهناك من يتمرد على اخضاعه للحجر عنوة ويغضب  لمجرد بقاءه في بيته فتراه متمردا وغير منضبط وغير منصاع  للقوانين .

3-     مرحلة المساومة: تقوم فيها النفس البشرية بالمفاوضة حول هل التزم  وادرك ان المخاطر فعلا  حقيقيه  وان هذا الوباء حقيقي وبالتالي علي  التزام الحجر المنزلي، وتنفيذ قبول التباعد الاجتماعي من اجل الحفاظ على السلامة.

4- مرحلة الحزن او الأكتئاب: قد يشعر بعض الافراد بالقلق حول متى سينتهي هذا الوضع ومتى ستعود الأحوال الى مجاريها , وهنا لا بد من السيطرة على الأفكار السلبية وتحويلها الى ايجابيه , وذلك كي لا يتحول هذا الحزن والقلق الى اكتئاب , من خلال اتباع أسلوب حياه صحي . ووضع برنامج لتنظيم الوقت بين ممارسة الهوايات وأداء الواجبات والترفيه عن النفس والتواصل الاجتماعي عبر الوسائل الالكترونية المتاحة.

5- مرحلة القبول: وهي تقبل الوضع الحالي والتفكير حول ما يمكن فعله في الأيام القادمة,  وهناك تقبل إيجابي من خلال النظر الى النصف الممتلئ من الكوب مثل محاولة الاستفادة من فترة التواجد في المنزل , كتعلم لغة جديده , التواصل مع أصدقاء لم نتواصل معهم منذ فترة طويلة بسبب ضيق الوقت والانشغال عنهم بسبب العمل, ممارسه التأمل في الحياه والتفكر, ممارسه الرياضة, التواصل مع افراد العائلة وغيرها من الأنشطة . كذلك المساندة الاجتماعية ودعم بعضنا البعض كل ذلك يساعد على الخروج من هذه المحنه بسلام والرجوع بعد ذلك لممارسة الأنشطة اليومية بشكل طبيعي.

وهناك أيضا تقبل سلبي وعلى الرغم من ضرورة حصول التقبل لدى الفرد الا ان التقبل السلبي يأخذ شكل الاستكانة والاستسلام للوضع الحالي ورفض تغييره بعد انتهاء الازمه حيث يجد في تضرره وسيله ومبرر لما هو عليه , ويستمر في مثل هذا السلوك )بعد انتهاء الازمه( ومن هنا سأعطي امثلة على ذالك كالشخص الذي تضرر عمله نتيجة بقاءه في المنزل فيرفض لاحقا الخروج للعمل, او الذي يأخذ من الحجر المنزلي مبررا لعدم زيارة الأقارب والأصدقاء لاحقا . وكشخص اصبح لديه اكتئاب ويرفض الذهاب الى الطبيب والمعالج النفسي.

 ومن هنا فانا انصح بزياره المعالج النفسي او الاخصائي النفسي في حاله بقاء الفرد عند المرحلة الرابعة من الصدمة او الاكتئاب ولا سيما اذا أصبحت حالته تزداد شدة , كذلك اذا ظهرت بعض المشكلات النفسية والأسرية والمعاناة من الضغوط النفسية , قد تتطور أيضا مظاهر المحافظة على النظافة الى حد المعاناة من اضطراب الوسواس القهري سواء عند الكبار او الصغار كذلك اذا كانت هناك عوارض وظواهر غير عاديه كالكوابيس واضطرابات في النوم, القلق المستمر من تكرار حدوث الوباء في المستقبل , او الخوف وعدم الرغبة من الخروج من المنزل حتى بعد انتهاء الوباء . وفي جميع الحالات لا بد من توفر الدعم والمساندة النفسية, الاجتماعية والأسرية , لان الحصول على العلاج دون تشجيع من المحيط ودعم منه , لا يعطي العلاج ثماره المرجوة.

محمود تيسير محاميد

اختصاصي نفسي تربوي 

قسم الخدمات النفسية – بلدية ام الفحم